• الاقتصادات الناشئة تتجاوز الأداء السلبي للأسواق العالمية وتتهيأ لنمو بـ 9 %

    05/12/2018

    هشام محمود من لندن

    رغم تفاوت التقديرات حول أدائها في 2018، إلا أن محللين توقعوا ارتفاع نمو الاقتصادات الناشئة العام المقبل بنحو 9 في المائة.
    وعانت الاقتصادات الصاعدة مجموعة من العوامل الخارجية التي أثرت في الأداء العام لها، ولكن بدرجات مختلفة ومتباينة، فالتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتنامي قوة الدولار الأمريكي، وأسعار النفط غير المستقرة، وارتفاع أسعار الفائدة، جميعها عوامل تركت بصمات سلبية إلى حد كبير على أداء الأسواق الناشئة هذا العام.
    وعلى الرغم من توقع استمرار مواصلة تلك العوامل تأثيرها في الاقتصاد العالمي ككل، والاقتصادات الناشئة على وجه التحديد، إلا أن ذلك كله قد يتغير العام المقبل، ليس نتيجة اختفاء تلك العوامل أو تلاشيها من المشهد الاقتصادي، ولكن لأن البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة والسلطات الاقتصادية فيها ستتمتع بقدرة أكبر على التنبؤ باتجاهات تلك العوامل، ومن ثم امتلاك الإمكانية لصياغة سياسات اقتصادية وتجارية ومالية أكثر فاعلية واسعة لامتصاص ردود الفعل السلبية الناجمة عن تغير تلك المعطيات الاقتصادية.
    وستظل التغيرات في أسعار صرف الدولار والتقلبات في أسعار الفائدة، اللذين يعدان العاملين الأكثر تأثيرا في المشهد الاقتصادي في الأسواق الصاعدة خلال العام المقبل، من وجهة نظر كثير من الخبراء.
    ويقول لـ"الاقتصادية" راي جو رئيس قسم العملات الأجنبية في بنك إنجلترا، "أغلب التقديرات تشير إلى أن أسعار صرف الدولار ستتصف بمزيد من الليونة العام المقبل، مع اتجاه أكثر نحو الانخفاض، وهذا سيخفف الضغط على الاقتصادات الناشئة التي تعاني عجزا في الحساب الجاري، كما أنه سيخفف أيضا من الضغوط التي تتعرض لها تلك الاقتصادات نتيجة تصاعد فاتورة سداد خدمات الدين الخارجي المقيم بالعملات الأجنبية، وهذا سيتيح هامشا أكبر من المناورة الاقتصادية للأسواق الصاعدة".
    باختصار فإن المرونة التي يتوقع أن يتصف بها سلوك العملة الأمريكية في عام 2019، ستنعكس إيجابا على الأوضاع الاقتصادية في الأسواق الناشئة، لكن لتلك الليونة نتائج سلبية على التفاعلات الاقتصادية في الأسواق الصاعدة أيضا، فتراجع الدولار يمثل تحديا حقيقيا لمواصلة الاقتصادات الناشئة الحفاظ على جاذبيتها كبؤر استثمارية، كما أنه يضع قدرتها على التصدير في وضع متراجع، بينما تتنامى لديها الرغبة في الاستيراد من الخارج، في ظل تغير التوازنات لمصلحة عملاتها المحلية في مواجهة الدولار الأمريكي.
    وتتعزز وجهة النظر تلك، بالتلميحات التي أشار إليها رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول، بأن "الفيدرالي" قد يتطلع إلى تجميد أسعار الفائدة لبعض الوقت، وكان لتلك التلميحات مفعول مؤثر بشأن المسار الذي يمكن أن تسلكه الاقتصادات الناشئة العام المقبل، إذا بلغت عملات الأسواق الناشئة أعلى مستوى لها في أربعة أشهر بعد تلك التلميحات.
    ويؤكد لـ"الاقتصادية" جيمس دانيال الخبير الاستثماري أن ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ترك بصمات سلبية للغاية على الاقتصادات الناشئة، حيث زاد من الجاذبية الاستثمارية في الاقتصادات الكبرى، وأضعف جاذبية الاقتصادات الصاعدة، وحاليا قد يتغير المشهد إذا اتسمت معدلات الفائدة بالثبات في البلدان المتقدمة.
    وأهمية تأثير سعر صرف الدولار وأسعار الفائدة في الطريق الذي ستسلكه الاقتصادات الناشئة العام المقبل، لا ينفي أهمية عوامل أخرى ربما يعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين في مقدمتها. فالحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، تترك بلا شك تأثير في معدلات الطلب العالمي على المنتجات الأولية أو شبه المصنعة التي تنتجها عديد من الاقتصادات الناشئة، إذ أدت الحرب التجارية بين بكين وواشنطن إلى تراجع الطلب الصيني على عديد من منتجات البلدان النامية والناشئة، ومع تقلص مداخيل تلك البلدان انخفض طلبها في المقابل من الولايات المتحدة والصين.
    ولكن جهود نزع فتيل الأزمة التجارية، الذي بدا واضحا خلال قمة العشرين، أعاد الشعور بالتفاؤل لدى قادة الأسواق الناشئة، بإمكانية استعادة ما لديهم من قدرة تصديرية، ومن ثم تحسن أداء البورصات المحلية.
    ويعزز تلك المشاعر الاستقرار الراهن في أسواق النفط وانخفاض أسعاره، حيث يخفف ذلك الضغط على الاحتياطيات المالية، ويتيح للاقتصاد الوطني درجة أعلى من حرية الحركة.
    بطبيعة الحال فإن هذا التحليل يرسم تصورا مستقبليا للأسواق الناشئة في العام المقبل على أساس تأثير "العوامل الخارجية" فقط، ولكن مجموعة أخرى من الخبراء تعرب عن قناعتها بأن "العوامل الداخلية" هي التي سيكون لها القول الفصل في مسار الاقتصادات الصاعدة.
    فبينما يتخوف عدد من المختصين من أن تشهد مجموعة رئيسة من تلك الأسواق تصاعد في حدة الخلافات السياسية الداخلية، ما يدفع بالمستثمرين إلى الإحجام عن الاستثمار فيها، فإن آخرين يعتقدون أن السياسة المالية التي ستتبناها البنوك المركزية، ومدى مرونتها ستمثل المحدد الرئيس لمعدلات النمو الاقتصادي في الأسواق الصاعدة العام المقبل. ويدعو الدكتور إيثن ديفيد أستاذ الاقتصاد الدولي إلى التريث عند تقييم الأداء المتوقع للاقتصادات الناشئة العام المقبل.
    ويقول لـ"لاقتصادية"، إن "وجود مشاكل حقيقية أمام الاقتصادات الناشئة العام المقبل فرضية واقعية، لكن المتوقع أن يبلغ معدل النمو في تلك الاقتصادات بنهاية العام المقبل 9 في المائة، إذ إن جزءا كبيرا من النمو يعود إلى تحسن أداء سوق الأسهم، والعملات مقارنة بالعام الجاري"، متوقعا أن تكون تلك الأسواق هي المكان المناسب لتحقيق أرباح سريعة.
    ويضيف "لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضا أن أسهم الأسواق الآسيوية ستتفوق على نظيراتها في أمريكا اللاتينية، وأن البيزو الأرجنتيني والليرة التركية سيواصلان وضعهما الصعب كما كانا في هذا العام".
    ويرجح الخبراء أن تحظى ثلاث أسواق ناشئة بالصدارة خلال العام المقبل، وهي الهند والبرازيل وتايلاند، حيث يعزز تلك التوقعات الميزانيات القوية والنمو المحلي وسياسة الدعم الحكومي في تلك البلدان، إلا أن تلك التوقعات تظل مرتهنة باستقرار الأوضاع السياسية الداخلية فيها.

حقوق التأليف والنشر © غرفة الشرقية